القائمة الرئيسية

الصفحات

الحيوانات المهددة بالانقراض في الجزائر















عاش الأسبوع الماضي أفراد إحدى العائلات القاطنة بقرية إيغزر بلغوم، الواقعة في بلدية أهل القصر شرقي ولاية البويرة، حالة من الذعر والرعب، ممزوجة بعنصر المفاجأة، بعدما حاول حيوان مفترس الدخول إلى منزلهم، فسارع صاحب البيت إلى إحضار بندقيته، وأطلق النار عليه وقتله، ثم حمل جثته إلى حظيرة البلدية، وبعدما عرض الحيوان على سكان القرية، تبيّن أن الأمر يتعلق بحيوان غاب عن كل المنطقة منذ قرابة ربع قرن، ويتعلّق الأمر بحيوان ”الضبع” المخطط المسمى محليا ”إيفيس”.

 ظهور حيوان ”الضبع” المخطط من جديد أصاب سكان أهل القصر، وحتى القرى المجاورة بالذهول، حيث أكدوا بأنه لم يسبق لهم أن صادفوا الضبع المخطط من قبل، وحتى الصيادين منهم الذين تعوّدوا التوغل إلى داخل الغابات الكثيفة المحيطة بالمنطقة أكدوا ذلك. 
غير أنه ليست المرّة الأولى التي يظهر فيها هذا الحيوان المفترس في غابات ولاية البويرة، فقبل حوالي أربع سنوات قتل أحد السكان حيوانا مماثلا قرب غابة ”الريش” المحاذية لعاصمة الولاية، وقبلها قتلت فرقة من الجيش الوطني الشعبي حيوانا مماثلا بغابة تاغزوت، وخلال الصيف الأخير صدمت شاحنة ضبعا قرب قرية أولاد السعدي بالجهة الجنوبية للولاية، وهو ما يعني أن هذا النوع من الحيوان بدأ يتكاثر، ويجدد نسله في الجزائر، خاصة إذا علمنا أن هذا النوع من الحيوانات يتكاثر بسرعة. 
ويشير أهل الاختصاص إلى أن أنثى ”الضبع” المخطط تلد حوالي خمسة أشبال، بعد فترة حمل تتراوح بين 90 و92 يوما، ما يؤشر على عودة ظهوره بقوة مستقبلا، ورغم خطورته وبشاعة شكله وأصواته المزعجة ونتانة رائحته، يعتبر المختصون وجوده في الجزائر ايجابيا بالنسبة للتنوع الايكولوجي، فهو يقوم بدور المنظّف، كونه يتغذى من بقايا الحيوانات النافقة، ما يحول دون انتشار الأمراض والأوبئة داخل الغابات والمحيط الطبيعي، الأمر الذي جعل السلطات العمومية تصنفه ضمن قائمة ”الحيوانات المحمية”. 
ويعتبر الضبع المخطط من الحيوانات المهددة بالانقراض في العالم، كما في الجزائر، اختفى عن المنطقة منذ حوالي 20 سنة، وهو حيوان مفترس ينتمي لعائلة ”الضبعيات”، يكثر وجوده في الأراضي الجرداء الجافة وغابات الأشجار الشوكية والصحارى الصخرية، الممتدة بين شمال وشرق إفريقيا. 
وحسب المختصين فهذا الحيوان ينقسم إلى خمس سلالات، وهي السلالة السورية التي تعيش في العراق وبلاد الشام والأناضول، ثم هناك السلالة السلطانية التي تعيش في شبه الجزيرة العربية، وأضيا السلالة ”الضبعية” ومواطن معيشتها في بلاد الهند، بالإضافة إلى سلالة شرق إفريقيا، أما السلالة البربرية، فهي تلك التي تعيش في شمال إفريقيا، وهو ما يدل على أن الضباع كانت تعيش منذ القدم في هذه البلاد. 
وقد ارتبط وجودها محليا ببعض الأساطير الشعبية، ومن القصص الشعبية التي لا تزال راسخة في الذاكرة الشعبية المحلية بالبويرة، يحكى أن هذا الحيوان المفترس هاجم ذات مرّة خمّ دجاج والتهم ما كان بداخله، وعندما كان عائدا إلى الغابة دعت عليه صاحبة الخم، فداس برجليه الخلفيتين على ورقة صبار والتصقت بها أشواكها ومن يومها أصبح هذا الحيوان أعرج. ولهذه الأسطورة علاقة بشكل طبيعة قوائمه التي تميزه عن باقي الحيوانات، فساقاه الخلفيتان أثقل وأقصر من ساقيه الأماميتي، لذا يظهر أثناء سيره وكأنه أعرج.
ويتراوح لونه بين الرمادي الفاتح والبني الفاتح، تقطعه خطوط سوداء عمودية على طول الجسم والسيقان، ورأسه عريض، تعلوه أذنان مستدقتا الطرف، ويبلغ طوله حوالي 120 سنتمتر، وطول ذيله 31 سنتمترا، أما وزنه فيتراوح بين 25 و55 كيلوغراما.
ويقتات ”الضبع” من الجيف والحيوانات الصغيرة ومن الفاكهة، كما يعتبر صيادا ماهرا، فهو يخرج ليلا للصيد في مجموعات عائلية، صغيرة أو فرادى، ويصعب ملاحظته لخفة حركته، كما يتميز بالقوة الهائلة لفكيه التي تفوق قوة فكي الأسد، إذ يمكنه أن يسحق العظام بأنيابه، ما يجعل منه حيوانا خطيرا يستوجب تجنبه عند مصادفته وتفادي مواقع وأماكن تحرّكه في الجبال والغابات. 

الضبع البربري يكره الجفاف

وبشأن أسباب اختفائه من ولاية البويرة، والجزائر عموما، ثم ظهوره ثانية، يلاحظ الدّارسون أن اختفاءه كان مقرونا بفترة الجفاف التي مرّت بها البلاد لفترة تجاوزت 20 سنة، حيث تفيد الدراسات التي أجريت على طبيعة هذا الحيوان البري أنه حيوان انعزالي إجمالا، لكن لديه تنظيم اجتماعي معيّن ودقيق بين الأفراد التي تقطن في منطقة واحدة، وتعيش في مجموعات عائلية صغيرة داخل جحورها. والملفت للانتباه أنها حيوانات رحّالة تتنقل بحثا عن مصادر الماء الواحدة تلو الأخرى ولا تبتعد عن بعضها البعض بأكثر من 10 كيلومترات، لذا يرجح أنها انتقلت خلال تلك الفترة إلى مناطق أخرى بحثا عن الماء، ثم عادت بعدما انتهت فترة الجفاف وعادت الأمطار وانفجرت الينابيع الطبيعية ثانية.
وقد ظهرت الضباع المخططة بشكل متكرر في الحضارات البشرية، ففي الوقت الذي صورتها بعض الحضارات كمخلوقات مثيرة للإعجاب واستعملها الكثيرون كمصادر للسحر والشعوذة، اعتبرت في كثير من الأحيان مخلوقات منبوذة ومخيفة وخطيرة ينبغي الحذر منها، لكن الثابت اليوم هو أنها مفيدة للتنوع الإيكولوجي. 
وللإشارة، فإنه إضافة إلى هذا النوع هناك أربعة أنواع أخرى من الضباع لا تعيش في الجزائر: وهي الضبع المرقط، ويسمى كذلك ”الضبع الضاحك”، وذئب الأرض ”ضبع الحشرات”، والضبع البني، أما أندر الأنواع فهو الضبع البراون. 

مواصفات الضبع المخطط
 الضبع المخطط ثاني أكبر أنواع الضباع، فهو يعتبر وسطا بين الضبع المرقط والضبع البني. تعتبر جمجمة هذه الحيوانات أصغر من جمجة أقاربها البنية، كما أن أسنانها أقل قوّة، ما يدل على تأقلمها للاقتيات على أشكال أكثر تنوعا من الطعام من باقي الضباع.
 للضبع المخطط فراء بني اللون ضارب إلى الرمادي على كافة أنحاء جسده، وتمتلك هذه الحيوانات خطوطا سوداء على قوائمها، جذعها، رأسها وظهرها، كما ويكون لون خطمها وآذانها أسود كليّا، وتظهر تغيّرا للونها بتغيّر الفصول، فتكون الخطوط أدكن وأكثر وضوحا في كسوتها الصيفيّة من تلك الشتوية.
تمتلك الضباع المخططة لبدة متوسطة الحجم على عنقها وأكتافها، وينتصب الشعر الطويل على هذه اللبدة عندما تشعر الحيوانات بالخطر مما يزيد من حجمها بنسبة 38% وتبدو بالتالي أكبر حجما بالنسبة لمن يهاجمها، مما قد يساعد على نجاتها. يمتد أمد حياة الضبع المخطط ما بين 10 و12 عاما في البرية، إلا أنها قد تعيش لفترة أطول في الأسر.
الضبع المخطط حيوان قوي متوسط الحجم، وهو مكسو بفراء أشعت أسمر باهت ضارب إلى الرمادي، ويمتلك بالإضافة لذلك ما بين 5 إلى 9 خطوط سوداء تنحدر على جانبيه بشكل عامودي، ويكون خطمه ووجهه قاتمان اللون، ويمتلك بقعة سوداء على أسفل عنقه. 
ولهذه الحيوانات لبدة سميكة قابلة للانتصاب تنحدر من مؤخرة العتق إلى الكفل، ويقوم الضبع برفع هذه اللبدة ليبدو أكبر حجما عندما يستعرض أمام ضبع مخطط أخر، ومن ثم تقوم الضباع بإمساك بعضها من العنق والهزّ كطريقة وهميّة في القتال. تكون قوائم الضبع طويلة ومخططة أيضا بينما يكون الجسد والعنق ثخينان، أما الذيل فأزغب ويصل في طوله حتى القدمين.      

 طائر المقنين في الجزائـر

بين الجزائريين وطيور الزينة، “المقنين” تحديدا، قصة حب طويلة تمتد لعقود، فلطالما كانوا مولعين إلى حد الهوس بتربية هذه العصافير والاعتناء بها كأنها فرد من العائلة، ولا يتوانون عن دفع الملايين للاهتمام بها أو بحثا عن النادر منها.. لكن قصة الحب هذه قد تكتب نهايتها قريبا أمام تقلص أعداده بشكل رهيب واصطياده وتربيته من قبل أشخاص لا يقدّرون قيمة “المقنين الزين”.
 لعلّ الشاعر الشعبي الكبير محمد الباجي كان أكثر من فهم وتنبأ بمآل “المقنين” معشوق الجزائريين، عندما رثاه في قصيدته الشهيرة “المقنين الزين”، وهو سجين ينتظر حكم الإعدام في زنزانته بسجن سركاجي عندما يقول “هدي مدة و سنين.. انت في قفص حزين تغني بصوت حنين..لا من يعرف غناك منين.. تغني تتفكر ليام اللي كنت فيهم حر تفرفر فالهوا طاير تعشش فالشجر”.
فالمختصون في علم الطيور يؤكدون أنه بخلاف الكثير من الأنواع الأخرى لطيور الزينة، الطبيعة هي المكان الحقيقي لطائر “الحسون”.. وأن “الحسون” الجزائري من أرقى الأنواع في هذه الفصيلة، غير أنه مهدد بالانقراض إن لم يكن قد انقرض فعلا، فلم تعد المادة اللاصقة الوسيلة الوحيدة لاصطياده من قبل المولعين به، فاقتناصه اليوم يتم بالشبكة التي تأتي على المئات إن لم تكن الآلاف في عملية واحدة.. ينفق نصفها قبل وصوله إلى سوق الحراش.. أكبر “بازار” لبيع “الحسون” في الجزائر.
“الحسون” الجزائري أرقى أنواع هذه الفصيلة
بعيدا عن سوق الحراش، حيث يختلط الحابل بالنابل ويأتي الزبائن من كل حدب وصوب لاقتناء عصافير الزينة، “المقنين” تحديدا، بدأنا جولتنا لاقتفاء أثر تجار الطيور في العاصمة وما أكثرهم، من حي القبة، في محل شاب في منتصف عقده الثالث، ولجنا محله الذي يفترض أنه مختص في بيع طيور الزينة، لكن أول ما صادفنا هي “الفئران البيضاء” الصغيرة وأحواض الأسماء، فالمحل مخصص لكل شيء.
غير أن صاحب المحل اعترف ونحن نسأله عن اختصاصه بأن المحل في الأصل لبيع عصافير الزينة، لكن هناء استثناءات حسب الطلب لجذب الزبائن، ولو أن العصافير الأكثر طلبا ولم يقلّ يوما الطلب عليها، و”المقنين خاصة هو سيد الطيور عند الجزائريين، بسطاء كانوا أم من أصحاب المال، الفرق فقط أن من يملك أكثر يمكنه الحصول على النادر منها”.
وفي جولة على المحل الذي كان يعرض عصافير “الكناري” بأنواعها، “البيروش” و”المقنين”، وفي إطلالة على الأسعار، قال صاحب المحل إن ثمن الكناري يتراوح بين 1000 إلى 2500 و5000 دينار، حسب النوع واللون وثمن “البيروش” غير بعيد عنه.
أما “المقنين” فثمن العادي منه 1500 دينار، وقد يتجاوزه ليصل إلى 10 ملايين إن كان من الأنواع النادرة “وهذه قليلا ما تقع بين أيدينا.. من تصل إليه هذه الأنواع يبيعها قبل أن تصل إلينا.. ثم لم نعد نراها حتى، فالمقنين اليوم يصلنا من المغرب و“المقنين” الجزائري أصبح عملة نادرة.. لا نصل إليه إلا في بعض المناطق الشرقية والمناطق الحدودية”.
ابتسم صاحب المحل وأنا أسأله إن كان زبائنه يعرفون كيف يتعاملون مع هذا الطائر.. “أنا مازلت في طور التعلم فما بالك بالزبائن”، قبل أن يواصل: “يحدث كثيرا أن يأتي الزبائن إلى المحل لاقتناء العصفور ثم يعودون بعد فترة قصيرة لاقتناء آخر لأنه نفق، لأنهم يجهلون طريقة التعامل معه”.
فـ”المقنين”، حسب محدثنا، طائر حساس جدا، يتأثر بتغيرات المناخ، يتعرض كثيرا للأمراض، ويحتاج لأكل خاص “لكن نحن تعوّدنا على أن نقتني له “البراقة” فقط وهي في الحقيقة تكفي فقط لسد الجوع”.
تحدثنا إلى بعض الزبائن المتواجدين في المحل، فأجمعوا على أنهم يعتبرون “الحسون” ديكورا مهما في بيتهم مثله مثل أي شيء لا يمكن التخلي عنه في البيت، وإن اعترفوا بأنهم لا يعرفون أبجديات الاعتناء به وهو ما يتسبب في لجوئهم في الكثير من المرات لاقتناء آخر.
حاولنا جس نبضه هؤلاء بالقول إنه معرض للانقراض وإن الطبيعة مكانه الطبيعي، فردوا علينا بقهقهات على غرار بوعلام الذي كان بصدد اقتناء حبوب “البراقة”، قائلا: “كلنا سننقرض في النهاية، فأين المشكل؟”.
انتقلنا إلى محل آخر في حي باش جراح، صاحبه في عقده الرابع، كان بصدد بيع “كناري” لرجل اقتناه ليهديه لابنته، حسبما وصلني من حديثهما. كشفت لصاحب المحل عن هويتي ورحت أسأله عن أكثر الطيور طلبا في محله، فقال دون تردد أن “المقنين هو سيد القلوب”.
أما كيف يصل إليه، فذكر صاحبنا أنه يقتنيه من سوق الجملة بـ”الحراش”، كما يتعامل مع أشخاص متمرسين في الصيد يأتون له بـ”المقنين” من جبال جيجل أو تبسة، وهذه أغلى من “المقنين المغربي”.
مقنين بين 1000 إلى 9000 أورو
وذكر صاحبنا أن أغلب زبائنه من الأشخاص العاديين الذين ليست لهم دراية كبيرة بطريقة الاعتناء بهذه الفصيلة من الطيور، “فالمتمرس في تربيتها لا يأتي إلى هذه المحلات بل ينقب عنها من أشخاص معروفين يديرون بورصة بيع هذه الفصيلة من بيوتهم، وتحدد سقفها تغريدة “الحسون” التي تحسب بالنوطات مثلها مثل المقطوعات الموسيقية، فهذا الطائر يتمتع دون غيره من الطيور بالقدرة على حفظ التغريدات، ولونه أيضا يتحكم في سعره”.
وحول هذه النقطة، ذكر محدثنا أنه كثيرا ما يتعامل مع المغتربين والقادمين من أوروبا ومختلف بقاع المعمورة “هؤلاء يدفعون بالأورو للحصول على المقنين.. إنه ريحة لبلاد التي تغرد في الضفة الأخرى وقد يكلفهم حتى 50 ألف دينار”.
وإذا بدا للبعض أن 50 ألف دينار ثمن باهظ، فأسعار أنواع أخرى خيالية بامتياز، إذ ذكر لنا جبلون توفيق، رئيس جمعية ترقية تربية الطيور للجزائر العاصمة، أن بعض الأنواع ثمنها من 1000 إلى 9000 أورو.. ويقطع من أجلها الزبائن البحر للحصول عليها، فماذا يميز هذا النوع حتى لا يتوانى “المهوسون” بها إلى اقتنائها؟ وهؤلاء ليسوا زبائن عاديين، بل هم جامعو الأصناف النادرة.
أما ما يميز هذه العصافير فهو طريقة تغريدها، فبعضها لديه قدرة كبيرة على الغناء بطريقة خاصة، وأصحابها يعملون على تلقينها التغريدات بالاعتماد على أشرطة قديمة وأقراص مضغوطة بها تغريدات لـ”الحسون” الجزائري القديم، يقول محدثنا.
واللون أيضا يرفع من قيمة هذه الأنواع “قد تحدث طفرة في تكوين العصفور، فيصبح لونه كله أبيض، وهذا أغلاها، أو يتغير موضع الألوان الأخرى كأن يتحول لون الرأس إلى الأحمر من الخلف وغيرها من الطفرات”.
وحتى الطفرات البسيطة التي تكون على شكل بقع في أنحاء متفرقة في جسمه ترفع من ثمنه الذي يصل من أجل بقعة صغيرة في غير محلها الطبيعي، إلى 3 ملايين سنتيم.
مهوسون يدللون عصافيرهم أكثر من أبنائهم
تركنا أصحاب المحلات لنقترب من المهوسين بتربية العصافير و”المقنين” طبعا، لأننا وقفنا على أنه الأكثر طلبا، على غرار شاب من أبناء باب الوادي، في بداية عقده الثالث، فضّل أن نسميه محمد، صاحب محل للمواد الغذائية، قال إنه يتنقل من ولاية إلى ولاية بحثا عن “المقنين” النادر صاحب التغريدة الفريدة.
يشد رحاله إلى خنشلة في أقصى الشرق ومغنية في أقصى الغرب من مرتين إلى ثلاثة في ظرف شهرين، يقتني “المقنين” من صائديه مباشرة “اكتسبت الخبرة من المختصين في السنوات الأخيرة وأصبحت أتحكم في بعض أبجديات تربيته”.
وبعد أن تصبح الطيور في بيته، وقد تموت أعداد منها في طريقها إلى العاصمة، يخصص لها مكانا في سطح العمارة “فزوجتي ملت من تنظيفها وكانت سببا في خلافات هددت حياتنا الزوجية”، وهنا تبدأ قصة أخرى مع تلقينها التغريدات.. وصاحبنا مثلما يتنقل إلى أقصى الشرق من أجل اقتنائها تجده ينقّب عن أشرطة التغريدات، ويبحث في مواقع الأنترنت عن من يملك النادر منها، وقد تكلفه من 5000 إلى 10 آلاف دينار، ناهيك عن الفيتامينات التي يقتنيها خصيصا لها، قبل أن تصبح جاهزة للبيع، وكل هذا على حساب ميزانية بيته. يقول محدثنا: “تربيت على صوت “المقنين” قبل أن أتعلم الكلام حتى، ولا يمكنني تصور حياتي من دونه، لا تهمني كثيرا الأرباح التي أجنيها من وراء إعادة بيعه، فأنا أخسر أكثر مما أربح.. لكن هي قصة حب قديمة صوته يخلويني.. ولا يهمني كم يكلفني أو سيكلفني الأمر”.
الأكيد الذي وقفنا عليه في جولتنا أن “المقنين” كان ولايزال معشوق الجزائريين، والحديث عن انقراضه مشكوك فيه بالنسبة إليهم، لأنهم لا يتصورون غياب “الكاجا” عن بيتهم، وجميع من أثرنا معهم الموضوع ردوا بابتسامة “هو يغرد منذ قرون في بيوت البهجة وسيبقى كذلك”.


رئيس جمعية ترقية تربية الطيور
“أوقفوا إبادة الحسون”
يؤكد السيد جبلون توفيق، رئيس جمعية ترقية تربية الطيور للجزائر العاصمة، أن “الحسون” الجزائري تعرض لحملات إبادة حقيقية قضت عليه، ليحل محله “المقنين” المغربي الذي يتم تهريبه عبر الحدود، متسائلا عن جدوى إقرار قوانين لحماية هذه الفصيلة من الطيور دون تطبيقها في الميدان.
ويرى السيد جبلون أن 80 بالمائة من المختصين في تربية الطيور وأصحاب المحلات المختصة في هذه التجارة، لا يفقهون شيئا في أبجديات الاعتناء بـ”الحسون”، ويأخذون الأمر على أنه عملية تجارية فقط، وحتى المهوسون بتربيته يجهلون أنه يحتاج إلى عناية خاصة من حيث الأكل وحمايته من الأمراض وغيرها. وأضاف محدثنا: “بخلاف باقي طيور الزينة، مثل الكناري، البيروش والحمام، وغيرها من الفصائل التي أصبحت طيورا منزلية بامتياز ولا يمكنها العيش في الطبيعة، المكان الحقيقي للمقنين هو الطبيعة، فهو يعيش على أطراف المدن ويتغذى من الفواكه والديدان والحشرات الصغيرة، ووقوعها بين أيدي غير المختصين يعجّل بنفوقها”. وبرر التناقص الرهيب في أعدادها، وهو سبب اللجوء إلى اقتناء “الحسون” المهرب من المغرب، بالحرائق التي أتت على الغابات في العشرية السوداء، وكذا الاستعمال المفرط للمبيدات الحشرية في الحقول الفلاحية، وهو ما يؤدي إلى نفوقه، مواصلا: “أنثى “الحسون” هي المسؤولة على إطعام صغارها، وهي من تتسبب في نفوقها بإطعامها فواكه وحشرات مسمومة”.
أما أكبر خطر يتهدد تلك الطيور، حسب المتحدث، فهو اللجوء إلى اصطيادها بالشبكة “وهي طريقة جديدة لم نعرفها في السابق، حيث يتم اصطياد نحو 4000 عصفور دفعة واحدة، والأمر أن أعدادا كبيرة منها تنفق في طريقها إلى العاصمة لإعادة بيعها”. واستغرب جبلون صمت السلطات إزاء “حملات الإبادة” هذه، وكذا بيعها بطريقة فوضوية في سوق الحراش مثلا، رغم أن القانون يمنع اصطيادها، مواصلا: “حتى عندما يتم حجزها من طرف مصالح الجمارك أو الدرك يتم إطلاقها في الغابات القريبة ليتم اصطيادها من جديد، والأصح هو تخصيص محميات يشرف عليها مختصون من أجل الحفاظ عليها وتكاثرها”.
وعن هذه النقطة، أضاف محدثنا: “من هب ودب يعتبر نفسه مختصا وله دراية في هذا المجال وعارفا بتحفيز تكاثره، وهذا غير صحيح، فلتكاثره تحتاج الأنثى إلى عناية خاصة، تبدأ من الأكل والنظافة وغيرها، وهذه الأمور لا يعرفها إلا المختصون وهم وحدهم مخوّلون بالتعامل مع هذه النوعية من الطيور”.
وعن الجمعية التي يرأسها، قال السيد جبلون إنها تعمل منذ تأسيسها على تعميم أبجديات علم الطيور وترقية تربية طيور الزينة باستعمال التقنيات الحديثة، وتطوير العلاقات بين مربي طيور الزينة وكذا تنظيم المسابقات والتظاهرات الخاصة بعلم الطيور، مع تحسيس الأطفال الشباب بتقديم معلومات خاصة بالطيور. وناشد المتحدث السلطات المختصة حماية هذه الفصيلة من الانقراض وتفعيل قوانين حمايتها لضمان استمرار هذا الصنف.


المهربون يتجهون نحو المغرب
 يتعرض الطائر الشوكي المعروف باسم “المقنين” لحملة من الصيد الفوضوي الذي يكاد يقضي عليه. وتعتبر ولاية تلمسان من المناطق المعروفة بتواجد هذا الطائر الذي ارتفع سعره في الأسواق ووصل إلى 10 آلاف دينار للطائر الواحد، ونظرا لقيمته فإن التهافت عليه أصبح كثيرا. وبعد أن “أبيد” “المقنين” الجزائري، توجه البعض لتهريبه من المغرب. وكانت عناصر الدرك قد أحبطت عدة محاولات لتهريبه من هذا البلد، وتسويقه نحو العاصمة ومدن الشرق الجزائري عبر تلمسان. كما أحبطت مصالح الجمارك بميناء الغزوات محاولة تهريب حوالي 400 طائر مهرب من إسبانيا نحو تلمسان على مرتين. وتعرف غابات تلمسان، خاصة جنوبها، بتكاثره، ما شجع الكثير على اصطياده بواسطة عدة وسائل، منها ما تعلق باستعمال الغراء أو الصناديق.
تلمسان: ع.بن شادلي

تجارة مزدهرة على الحدود الشرقية
 تعرف مدينة تبسة ازدهارا لتجارة الطيور بمختلف أنواعها، حيث كرست ساحة السور البيزنطي كأكبر فضاء أسبوعي لعرض هذه الأصناف التي تتم تربيتها بالأقفاص بعد صيدها من الغابات الحدودية الشرقية.  وحسب العارفين بخبايا هذه التجارة الرائجة، فإن القيمة المالية لطائر “الحسّون” تتراوح بين 2000 و12 ألف دينار، حسب الصنف والتغريد والألوان وأنه يتعرض لحملة صيد فوضوية وكبيرة من طرف الجيران في تونس، لاسيما بمنطقة ‘’الطباقة’’ الغابية التابعة إقليميا لبلدية الكويف شمال وسط مدينة تبسة. السكان المحليون أيضا وجدوا في هذا النشاط مصدر رزق جديد لهم، حيث يقومون بإضافة هذه الطيور إلى سلة المهربين. وتؤكد أرقام الدرك الوطني للسنة الماضية حجز 9 آلاف طائر من مختلف الأصناف، كانت في طريقها للتهريب إلى خارج الحدود، تجاوزت قيمتها في السوق الجارية الـ300 مليون سنتيم، ويمثل طائر “الحسون” 90 بالمائة منها.
وأمام هذه الوضعية، يقول التجار الصغار للطيور إن دخول المهربين على الخط يعتبر أسوأ عامل لم يكن في الحسبان، وحتما سيساهم في انقراض هذا العصفور الجميل من الغابات الجزائرية عامة وغابات شرق البلاد تحديدا.

حروب الصيد الهمجي تهدّد بانقراض وشيك لـ ”الأيل البربري” بالجزائر

جيوش الصيد أكثر عدة وذخيرة من آليات الحماية
العشرية الأمنية كانت أكثر حماية وأحسن فترة لتزايد القطعان
تواجه ما تبقى من رؤوس قليلة لحيوان ”الأيل البربري” بموطنها بالجبال الغابية في ولاية الطارف خطر الانقراض المؤكد، ما لم تتعزز لها الحماية والردع القانوني الصارم ضد عمليات الصيد الإبادية التي تديرها جيوش من الصيادين، تقودها شخصيات مسؤولة بمؤسسات الدولة ومقاولين ومنتخبين وحتى حقوقيون وأمنيون في التقاعد.

 تفيد الإحصائيات التقديرية لمصالح محافظة الغابات بأن ما تبقى من رؤوس هذا الحيوان لا يزيد عن 300 رأس، تحمي نفسها بالأدغال الغابية بمنطقة جبال بني صالح، وهي جزء من الحظيرة الغابية المشتركة مع ولايتي ڤالمة وسوق أهراس، كموطن لهذا الحيوان بعد انقراضه من باقي المناطق الغابية الجبلية بولاية الطارف، بسبب الصيد العشوائي وحرائق الغابات وهجرته إلى الجبال الآمنة بالضفة التونسية المجاورة. 
ويجمع سكان جوار المساحات الغابية بأنه ما إن يظهر أي رأس أو العثور على آثار تواجده يتجند لملاحقته قناصة من الصيادين، مع تجنيد جيش من مساعديهم وقطيع من الكلاب لتمشيط المنطقة، لتنتهي العملية في آخر المطاف بالقضاء المحتوم على هذا الحيوان ولو دخل تحت الأرض. 
ويمتاز الأيل البربري ذو الأصل المحلي، حسب تصنيفه وتعريف طقوسه وحياته البرية، بأنه بني اللون منقّط ببقع صغيرة بيضاء وسوداء، متوسط القامة شامخ الهامة، ويفضل الغابات الشامخة وأدغالها الرطبة المحيطة بالوديان الجارية والينابيع الجبلية، وما يتوسطها من سهول جبلية صغيرة، ليقضي بعض الوقت للاستمتاع بأشعة الشمس، ويتعايش في مراعيه بالبراري والمروج وسط الغابات مع قطعان البقر، ويستقر في الفصول الممطرة في محيط غابي لا يتجاوز قطره 50 كلم عكس موسم الحرارة، حيث تجف المصادر المائية في قطر للتنقل إلى أكثر من 100 كلم بحثا عن الماء والرطوبة الجبلية، وفي وقت التزاوج يُسمع له مواؤه، خاصة وأنه يفضل في هذه الحالة الدورية صعود القمم الصخرية والتلال الجبلية، وهذا ما يجلب له انتباه ”أعدائه” من الصيادين الذين لا يرحمون حتى عجوله الصغيرة في مرحلة الرضاعة.

جماعات الصيد أقوى من آلية الحماية 
أقر عنصر مسؤول في سلك أعوان محافظة الغابات بأن جماعات الصيد المنتشرة بجميع البلديات، دون استثناء، أقوى قوة بشرية وأكثر عدة من الآليات التقليدية للحماية ومراقبة المساحات الغابية موطن الأيل البربري، خاصة وأن ”جيش” الصيادين، كما يتمسك محدثنا بوصفهم، يستغل المسالك الغابية ليستعمل ترسانة من السيارات الرباعية الدفع مدججة بأسلحة الصيد والذخيرة النارية والكلاب المدربة، حيث يلتقون في المكان المحدد مسبقا مع ”جيش” من الشباب البطال ورعاة البقر يتولون تمشيط المنطقة ومحاصرة الحيوان وتوجيهه إلى منفذ وجود القناصة. ويوضح محدثنا بأن مواعيد ومواقع الملاحقة والصيد تبرمج حسب معطيات ميدانية لتواجد هذا الحيوان، بوجود فضلاته الجديدة أو آثار أقدامه مع تحديد الينابيع المائية الجبلية أو المواقع الغابية الرطبة التي يقصدها، وبناء على ذلك تسارع عناصر جماعات الصيد للمّ شتاتها بأقصى سرعة ممكنة نحو ”حربها الإبادية”، مستغلة في الوقت نفسه ضعف الرقابة وسط رجال الغابات وقلة إمكانياتهم، التي تتيح على الأقل التكافؤ في العدة والعتاد والسرعة في التحرك، والجهل ببداية العملية ووجهتها مع انعدام أبراج تمكّن بمسح المساحات الغابية عن بعد.

الذخيرة المهرّبة من تونس لتموين عمليات الصيد 
تتواجد الجبال الغابية، موطن الأيل البربري، على الشريط الحدودي، وهي المنطقة الحافلة بنشاط التهريب، وفي مقدمتها ذخيرة الصيد بما فيها البنادق والمسدسات، كما تكشفه المعالجة الأمنية سنويا بمحجوزاتها لهذه الذخيرة محل الطلب المتزايد لانعدامها في الأسواق المحلية، بفعل حظر نشاطها التجاري منذ 18 سنة لأسباب أمنية فرضتها العشرية الإرهابية. ومن طبيعة نشاط تهريب الذخيرة أن تقسم إلى ثلاث جهات: جزء منها لفائدة سكان أرياف الشريط الحدودي، والثاني لفائدة فئة المقاولين وموظفين وإطارات بمؤسسات الدولة والأعمال الحرة ممن يمارسون هواية الصيد ويقودونها، والجزء الثالث يسوّق إلى خارج حدود الولاية. وخارج عمليات الصيد تستغل هذه الذخيرة في الحفلات والأعراس المحلية التي يكون فيها دوي البارود من أساسيات الأفراح المحلية، التي لا يستغنى عنها حسب التقاليد التي يحافظ عليها سكان المنطقة. 

مكونات الطبيعة أفضل حماية بجبال حمام بني صالح 
تتربّع محمية جبال بني صالح على مساحة 80 ألف هكتار، وهي جزء من الحظيرة المشتركة مع ولايتي ڤالمة وسوق أهراس، والتي أضحت خارج الحماية بعد التقسيم الإداري لسنة 1985 لغياب جهاز للحماية مشترك بين الولايات الثلاث. غير أن الطبيعة الجبلية الغابية وتضاريسها الوعرة بجبال حمام بني صالح وفّرت الحماية لما تبقى من القطعان التي وجدت أدغال الغابات المكان الآمن من شر البشر، خاصة وأن أشعة الشمس لا تلامس الأرض بفضل تكاثف وتشابك النباتات الغابية العالية، وانعدام المسالك الغابية وتطويق المنطقة بالمنحدرات الوعرة ومهاوي الوديان والسلاسل الصخرية التي تقطع منافذ الاتجاهات، وهذا عكس بقية المواقع الجبلية الغابية الأخرى ومنها بالخصوص جبل الدير ببلدية عين الكرمة، وجبل الغرة ببلدية بوقوس وجبال خراطة بالزيتونة وجبال بوعباد بالشافية وجزء من جبال هوارة بشيحاني، وجبال أم علي ببلدية الطارف وجبال العيون وأم الطبول، وكل هذه المناطق كانت تعمّرها قطعان الأيل البربري ولكنها انقرضت، ولم يبق منها سوى ما لا يفوق 50 رأسا بقيت منفردة وتائهة وسط الغابات بفعل العوامل التي سهّلت الصيد الجهنمي، ومنها كثرة المسالك الغابية المهيأة وشبكة الطرقات المزفتة بمحيطها اللصيق وأروقة الأحراش الغابية التي تقسم الفضاء الغابي إلى مساحات مربعة، فضلا عن الحرائق الصيفية التي دفعت أكثر القطعان للجوء إلى جبال الضفة التونسية الأكثر حماية وآمانا، ومحاصرة مواقع لجوئها المؤقت بالسياج تمنعها من العودة إلى موطنها شتاء بجبال الضفة الجزائرية. 

العشرية الإرهابية كانت أحسن فترة للتكاثر
أفادت دراسة إحصائية لمصالح الغابات عن تكاثر هذا الحيوان بموطنه في ولاية الطارف بأن أحسن فترة سجل فيها تزايد رؤوس القطعان كانت خلال العشرية الإرهابية، وخاصة بجبال حمام بني صالح وجبال بوعباد بالشافية وجزء من جبال هوارة ببلدية شيحاني، التي كانت تستوطنها الجماعات الإرهابية وتحركاتها باتجاه ولايتي سوق أهراس وڤالمة، يضاف إليها حملة نزع مختلف الأسلحة من السكان ومنع المتاجرة بالذخيرة النارية، وفي باقي جبال إقليم الولاية سجلت الدراسة ذاتها تراجع القطعان واختفاء الكثير منها. 
وأرجعت السبب إلى تكالب جماعات الصيد على هذه المواقع التي كانت آمنة ولم تطلها الجماعات الإرهابية، وفي عديد الشهادات التي استقيناها من سكان أرياف محيط المنطقة تطابقت مع ما كشف عليه أعوان محافظة الغابات، فإن جماعات الصيد يديرها منتخبون محليون وأمناء عامون للبلديات ورجال أمن في التقاعد وأعوان في الحرس البلدي ومقاولون وحقوقيون ورجال أعمال حرة كانوا النواة الأساسية لأي عملية صيد تغوص بأدغال الجبال ومطاردة القطعان، كما هو شأنهم في صيد الطيور القارة والمهاجرة ببحيرات الطارف ومناطقها الرطبة. 
واستُفيد من عناصر تائبة ومستفيدة من قانوني الوئام المدني والمصالحة الوطنية بأنها كانت تتواجد بجبال بني صالح وبوعباد وهوارة، وكانت تتحاشي في توفير غذائها صيد الأيل البربري، بفعل تواجد بديل لذلك بلحوم البقر التي ترعى في الجبال الغابية. 
وأكدت دراسات أمنية وشهادات مربي البقر بمحيط هذه الجبال بأن قطعان البقر كانت مصدر غذاء الجماعات الإرهابية، بما يؤكد بأن مصائب العشرية الإرهابية عادت بالفائدة على حماية قطعان الأيل البربري.
 وفي اتصال بمحافظ الغابات بولاية الطارف، محمد طيار، كشف بأن المديرية العامة للغابات أنجزت دراسة تقنية لتأهيل وتجهيز حظيرة جبال حمام بني صالح على مساحتها السابقة 50 ألف هكتار، المشتركة بين الولايات الثلاث المجاورة ”الطارف وڤالمة وسوق أهراس”، وإعادة تشجيرها بالنباتات الغابية وأشجار الثمار البرية مصدر تغذية القطعان مع آليات للحماية الصارمة والمحافظة على المحيط الغابي لهذه الحظيرة، دون شق المسالك الغابية والطرقات، لجعلها محمية طبيعية تدعم بالمراقبة اليومية. 

تقنين الصيد تحت ذريعة إبادة الخنازير 
الحصار الذي فرضته بداية من السنة الماضية وحدات الجيش على الرواق الحدودي وتكثيف الدوريات الأمنية للفرق المتنقلة للدرك والأمن ونقاطها الأمنية الثابتة والمتنقلة عبر شبكات المسالك والطرق الحدودية، إلى جانب الطلعات الجوية للطائرات العمومية، فرضت تراجعا كبيرا على نشاط جماعات الصيد وتفكيك الكثير منها إراديا، غير أن رواد الصيد لجأوا إلى حيلة تقنين نشاطهم، فدفعوا بعض سكان الأرياف الجبلية، وخاصة الشباب العاطل عن العمل، لتأسيس جمعيات لإبادة قطعان الخنازير والكلاب الضالة، تحت ذريعة حماية محاصيلهم الفلاحية وحماية أحيائهم السكنية من الكلاب المتشردة، لتبرير حملهم لسلاح الصيد وذخيرته النارية، خاصة في تنقلاتهم وتقاطعهم مع المصالح الأمنية.
من جهتها، شجعت السلطات الولائية، وعلى عكس رفضها في السنوات الماضية، اعتماد مثل هذه الجمعيات لمبررات أمنية، وشرطها نقل جثث الكلاب والخنازير لتموين مخزن اللحوم لحظيرة الحيوانات المتوحشة بالبرابطية بالقالة، التي تعاني من نقص اللحوم لأكثر من 120 رأس من الحيوانات آكلة اللحوم بمقدار 300 كلغ في اليوم. 

رجال الغابات يدقّون ناقوس خطر الانقراض 
خارج رسميات محافظة الغابات، فإن أعوانها يشتكون ”اليد قصيرة والعين بصيرة”، في ظل ما تتوفر لديهم من إمكانيات ضعيفة وآليات أضعف لحماية هذا الحيوان الرمز، الذي كانت تضم قطعانه أكثر من 6000 رأس بداية سنوات الاستقلال، وكان يتواجد حتى في المناطق الغابية الشمالية المتاخمة للشواطي البحرية، ويتمتع وقتها بحماية أفضل بحكم القوانين الردعية الصارمة والمكانة المهيبة لرجل الغابات وفعالية تجاوب عملياته مع بقية المصالح الأمنية. 
وحسب انطباع أعوان محافظة الغابات، فإن استمرار غياب الحماية بهذا الشكل الضعيف سيؤدي إلى انقراض هذا الحيوان الرمز للمنطقة في غضون السنوات العشر المقبلة على أبعد تقدير، لكون الرؤوس التي تحمي نفسها بنفسها في منطقة جبال بني صالح مضطرة في فصل الحر إلى التنقل خارج منطقتها بحثا عن مصدر المياه والرطوبة فتقع بين مخالب الصيادين. وحسبهم، لا توجد أي آلية لحماية الأيل البربري بما يتطلب وفق خبراتهم خلق حظائر محمية بالسياج وسط الفضاءات الغابية يحظر دخولها، وتعزيز قوانين وتشريعات الردع وتمكين جهاز محافظة الغابات بالإمكانيات الضرورية وخلق أبراج ومحطات مستقرة بالمواقع الجبلية كما كان معمولا به في الحقبة الاستعمارية، وتواصل بها العمل لفترة قصيرة بعد الاستقلال. 

هيئات المجموعة الأوروبية تسحب دعمها وبرامجها
قبل عشرية من الزمن كانت الحظيرة الوطنية بالقالة تحظى بعناية ومساعدة هيئات المجموعة الأوروبية المعنية بالمحميات الطبيعية العالمية، وفي مقدمة اهتماماتها حماية حيوان الأيل البربري من فصيلة السلالة المحلية المهدد بالانقراض، غير أن الهيئات الأوروبية ذاتها سجلت مآخذ على السلطات المحلية، بتخليها عن حماية هذا الحيوان بالوسط الطبيعي لحظيرة القالة التي تتربع على 80 ألف هكتار وعدم التزامها بتنظيم تجهيزها وتسييرها، كما لاحظت غياب ظهور قطعان الأيل البربري بهذه المحمية العالمية، ولم تقتنع بمبررات السلطات المحلية فلجأت إلى توقيف برامجها ومساعداتها، لكون هذا الحيوان من أهم القطعان البرية التي تحظى بالحماية العالمية ضمن برامج المجموعة الأوروبية.  
reaction:

تعليقات